فِي الْمَدْرَسَةِ
أَوَّلُ يَوْمٍ دَخَلْتُ الْمَدْرَسَةَ
عَلَّمُونِي أَنْ أَحْمِلَ الْقَلَمَ
مِسْطَرَةً وَ رِيشَةً وَ أَلْوَان
قَالُوا لِي اُرْسُمِي شَجَرًة!ا
رَسَمْتُهَا خَضْرَاءَ مَلَوَّنَةً
وُرُودٌ مِنْ حَوْلِها
وَتمَاراً جَمِيلَةً مُزَرْكَشَة
بِقَلَمٍ أَصْفَرٍ ذَهَبِيِّ يَلْمَعُ
وَضَعْتُ شَمْساً عَلَى السَّمَاء
مُبْتَسِمَةً تَقْشَع
ثَانِي يَوْمٍ
طَلَبُوا مِنِّي رَسْمَ نَهْرٍ يَجْرِي
وَالْعُيُونُ مِنَ المَنَابِعِ تَهْوِي
نَاحِثَةً عَلَى الْجَبَالِ والهِضَابِ
أَخَادِيدَ وَ مَجَارِي تُغْرِي
بِماءٍ زُلاَلِ شَلاَّلاَتِ وَ وِدَيَانِ
تَشُقُّ طَرِيقَهَا عَبْرَ تَضَارِيسِ
كَوْكَبِنَا فَخُورَةً بِطُهَرِهَا تَنْشِي
الأَرُوَاحَ الظَّمْآى للْأَمَانِ وَ الجَمَالِ
تَهْدِي
رَسَمْتُهُ أَزْق يَضْوِي
مُنُسَاباً كَحَيَّةٍ يَزْحَفُ وَ يَمْضِي
رَقْرَاقاً وَخَرِيرُهُ يَطْرِبُ سَمْعِي
ثَالِثُ يَوْمٍِ
كَانَ مَوْعِدُنَا مَعَ رَسْمِ
بَحْرٍ هَائٍجٍ يُبَاهِي
عُبَابَ السَّمَاءِ يُعَانِقُ وَيَهْوِي
وَسُفُنُ الأَمَانِ عَلَيْهِ تَمَشِي
اَلشَّمْسُ تَعْكِسُ الضَّوْءَ
عَلَى صَفْحَتِهِ... تَسْكُبُ
بِالْحَدَقَاتِ نُوراً يَسْرِي
وَالنَّوَارِيسُ فِي فَضَائِهِ تُحَلِّقُ وَتُبْدِي
سُرُورَهَا بِجَمَالِ الْيَمِّ
تَضْحَكُ وَ تَرْوِي
أَلْفَ حِكَايَةٍ وَحِكَايَةٍ
عَمَّا بِعُمْقِهِ يَجْرِي
رَابِعُ يَوْمٍ
صّمْمْنَا غَابَةً بِأَدَغَالِهَا تُسْبِي
قًُلُوبَ الْعُشَّاقِ تَجْذِبُ وَتُغْرِي
وَشَدَى نَرْجِسِ الْبَرَارِي
يُزْكِمُ الأَنُفَاسَ بِعِطْرِهِ يُنْشِي
تُقَامُ الأَعْرَاسُ بِقَصْرِهَا السِّحْرِي
فِيهَا فَرَحِي وَ أُنْسِي
خَامِسُ يَوْمٍ
رَسَمْنَا طَائِراً سُبْحَانَكَ رَبِّي
سَابِحاً فِي السَّمَاءِ فَتَّانٌُ
يَجُوبُ الأَعَالِي وَالآفَاقَ
ذَهَاباً وَإِيَّاباً لاَ يَهُمُّهُ
سِوَى التَّحْلِيقُ فَفِيهِ سَعَادَتُهُ
هَنَاءاً وَ سُرُوراً كَانَ يُبْدِي
يُعَانِقُ السُّحُبَ وَالنُّجُومَ وَ يَهْدِي
تَرْنِيمَاتُهُ لِلُكَوْنِ بِأَسْرِهِ
سَمْفُونِيَّةً نَغَماً يَهْوِي
وَ النُّورُ مِنَ الشُّمُوسِ يُجْلِي
كُلَّ الظُّلُمَاتِ مِنْ حَوْلِهِ
تَتَبَدَّدُ وَ تَخْتَفِي
وََفِي يَوْمٍ لَنْ أَنْسَاهُ
كَانَ هُوَ شُؤْمِي
أَرْغَمُونِي عَلَى سَبْكِ الْقَفَصِ الذَّهَبِي
صَنَعْتُهُ بِيَدِي
وَ أَنَامِلِي تَرُتَعِشُ وَ تُخْفِي
ذُهُولاً وَ رُعْباً سَبَبُهُ لاَ أَدْرِي
زَيَّنْتُ أَسْوَارَهُ سَلاَسِلاً وَقُضْبَاناً
رَغْمَ جَمَالِهَا تَوَقَّفَ نَبْضِي
حِينَ انْتَهَيْتُ
أَمَرُونِي أَنْ أَضَعَ الطَّائِرَ
دَاخِلَهُ فَكَانَ سِجْنِي
وَضَعْتُهُ لَهُ وَدِّي وَعِشْقِي
وسَمْفُونِيَّةَ الْحُبِّ
لَمْ تَعُدْ سِوَى تَرَاتِيل تُسْجِي
انْكَتَمَ وَقَبَعَ كَئِيباً
وَحَالَتُهُ تُشْقِي
والْقَلْبُ دَقَّاتُهُ تُرْدِي
أَغْلَقْتُ عَلَيْهِ وَ تَهَاوَى دَمْعِي
بقلم رحيمة بلقاس
3/3/2012
سلا / المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق